نُشر في: 16 مارس 2025
مقالات ذات صلة:
للمرة الأولى في التاريخ.. إسرائيل تفقد تعاطف أغلبية الأمريكيين وفق أحدث استطلاعات الرأي
في تحول غير مسبوق، أظهر استطلاع أجرته مؤسسة غالوب أن نسبة الأمريكيين الذين يتعاطفون مع إسرائيل تراجعت إلى 46%، وهو أدنى مستوى لها منذ 25 عامًا، بينما ارتفع تعاطف الأمريكيين مع الفلسطينيين إلى 33%، وهي النسبة الأعلى التي تسجلها المؤسسة منذ بدء قياس هذا المؤشر. هذا التحول يعكس تغيرات جذرية في الرأي العام الأمريكي، حيث تلعب عوامل من أبرزها زيادة الوعي بالقضية وخسارة الرواية الإسرائيلية هيمنتها نتيجة تغير نمط التغطية الإعلامية، والنشاط الطلابي، والتغيرات الديموغرافية، إذ لعتبت هذه العوامل دورًا أساسيًا في إعادة تشكيل مواقف الأمريكيين تجاه الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.

تُعد مؤسسة غالوب واحدة من أكثر الجهات البحثية موثوقية في العالم، حيث تقدم استطلاعات رأي دقيقة تعكس توجهات المجتمع الأمريكي منذ عام 1935. ومن بين أهم الاستطلاعات التي تجريها المؤسسة سنويًا، تلك المتعلقة بالموقف الأمريكي من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وتشير البيانات إلى أن هذا التحول ليس مجرد تغير لحظي، بل يعكس اتجاهًا طويل الأمد بدأ في التشكل خلال العقد الماضي. ففي عام 2015، كان 62% من الأمريكيين يبدون تعاطفًا مع إسرائيل، بينما لم تتجاوز نسبة المتعاطفين مع الفلسطينيين 16%، ما يعكس تقلص الفجوة بين الطرفين مع مرور السنوات. الأحداث التي تلت هجوم 7 أكتوبر 2023، والهجمات الإسرائيلية المستمرة على غزة، لعبت دورًا محوريًا في تعزيز هذا التحول. فبعد هذا الحدث، انخفض تعاطف الديمقراطيين مع الفلسطينيين بمقدار 6 نقاط لكنه عاد ليرتفع بعد عام بزيادة بلغت 16 نقطة، ليصل إلى أعلى مستوياته المسجلة.

الانقسامات الحزبية كانت دائمًا عاملاً مؤثرًا في توجهات الرأي العام. الجمهوريون ما زالوا الأكثر دعمًا لإسرائيل، وإن كان التأييد بينهم تراجع من 91% عام 2020 إلى 83% عام 2025. أما الديمقراطيون، فقد شهدوا تغيرًا جذريًا، حيث انخفض تأييدهم لإسرائيل من 67% عام 2020 إلى 33% عام 2025، بينما ارتفع تعاطفهم مع الفلسطينيين إلى 59%، وهي المرة الأولى التي يتجاوز فيها التعاطف مع الفلسطينيين ذلك الموجه نحو الإسرائيليين. المستقلون لم يكونوا بعيدين عن هذا الاتجاه، حيث تراجع دعمهم لإسرائيل من 76% عام 2020 إلى 48% عام 2025.

عند تحليل البيانات الديموغرافية، نجد أن الشباب الأمريكي (18-34 عامًا) هم الأكثر ميلًا لدعم الفلسطينيين، حيث أظهر 40% منهم تعاطفًا مع الفلسطينيين مقارنة بـ 29% فقط ممن هم في سن 55 عامًا فأكثر. أما على المستوى التعليمي، فإن الحاصلين على شهادات جامعية يميلون بشكل أكبر لدعم الفلسطينيين (39%) مقارنة بأولئك الذين لم يكملوا التعليم الجامعي (27%). ويظل الرجال أكثر تعاطفًا مع الإسرائيليين من النساء، حيث بلغت النسبة بينهم 46% مقارنة بـ 40% للنساء، بينما تعبر النساء عن تعاطف أكبر مع الفلسطينيين (39% مقابل 33%).

أما بشأن حل الدولتين، فلا يزال 55% من الأمريكيين يؤيدون إقامة دولة فلسطينية مستقلة، بينما يعارضها 31%، فيما لا يمتلك 14% رأيًا محددًا. هذا الدعم لحل الدولتين شهد ارتفاعًا طفيفًا من 52% عام 2020 إلى 55% عام 2025، مع تأييد قوي بين الديمقراطيين (76%)، مقابل 53% من المستقلين و41% فقط من الجمهوريين. هذا يعكس تحولًا مستمرًا في مواقف الأمريكيين حول القضية الفلسطينية خلال السنوات العشر الأخيرة، إذ كان الدعم لحل الدولتين أقل من 50% قبل عام 2015، لكنه شهد قفزات متتالية بفعل صثببصثيصثب السياسية والانتقادات المتزايدة للسياسات الإسرائيلية.
الرواية الإسرائيلية تفقد هيمنتها على المجتمع الأمريكي
هذا التغير في الرأي العام يعكس زيادة الوعي بحقيقة القضية الفلسطينية، إذ لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا محوريًا في قلب موازين التعاطف، حيث غزت صور المعاناة والقتل والفصل العنصري والمظالم التي يتعرض لها الفلسطينيون الفضاء الرقمي، ما أدى إلى تغيير عميق في نظرة المجتمع الأمريكي لهذه القضية. التغطية الإعلامية التقليدية التي كانت في السابق تهيمن عليها الرواية الإسرائيلية فقدت جزءًا من سطوتها، مما سمح بظهور صوت الفلسطينيين وإيصال معاناتهم بشكل أوسع للجمهور. هذا التغير يبدو أكثر وضوحًا عند النظر إلى الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية، حيث برز أن الطلاب الأكثر تعليماً كانوا قادرين على اتخاذ مواقف مؤيدة ومتعاطفة مع الفلسطينيين بسرعة أكبر نتيجة وصول الرواية الفلسطينية إليهم دون وساطة الإعلام التقليدي. فقد شهدت الجامعات الأمريكية تصاعدًا في الحركات الطلابية الداعمة لحقوق الفلسطينيين، حيث نظمت مجموعات مثل “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” حملات توعوية ومسيرات تندد بالسياسات الإسرائيلية، مما ساهم في إعادة تشكيل وعي الأجيال الشابة.
يرى الخبراء أن هذه التغيرات في الرأي العام قد تؤدي إلى ضغوط متزايدة على السياسيين الديمقراطيين لإعادة تقييم موقفهم من الصراع، ما قد يدفع نحو تصاعد النقاش داخل الحزب الديمقراطي حول إعادة النظر في الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل، والذي لطالما كان خطًا أحمر في السياسة الأمريكية. ومع تزايد الدعم للفلسطينيين بين فئات المجتمع النخبوية، مثل خريجي وطلاب أرقى الجامعات الذين سيصبحون يومًا ما في طليعة صناع القرار، فإن التأثير المستقبلي لهذه التحولات قد يكون أعمق مما يبدو حاليًا، خاصة أنهم سيكونون قادة الرأي الجدد الذين يشكلون توجهات المجتمع الأمريكي في العقود المقبلة
لا شك أن هذه التحولات العميقة في الرأي العام الأمريكي ستلقي بظلالها على السياسة الخارجية للولايات المتحدة في المستقبل. ومع استمرار هذا الاتجاه، فإن إعادة تشكيل العلاقة الأمريكية-الإسرائيلية قد تكون أقرب مما كان يُعتقد سابقًا، خاصة مع دخول جيل جديد من صناع القرار إلى المشهد السياسي. ومع تزايد الضغط الشعبي، قد تجد الإدارات الأمريكية القادمة نفسها مجبرة على تبني نهج أكثر توازنًا في التعامل مع الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، مما قد يفتح المجال لإعادة إحياء الجهود الدبلوماسية الهادفة إلى إيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية.
ويبقى السؤال: إلى متى يمكن للرواية الإسرائيلية أن تصمد أمام هذه التغيرات المتسارعة؟ وهل ستتمكن إسرائيل من الحفاظ على بقائها إذا ما تغير الموقف الأمريكي تجاهها؟ إذ لا يمكن إنكار أن استمرار إسرائيل بات مرهونًا بشكل كبير بالدعم الأمريكي، فهل تستطيع الصمود لفترة طويلة إذا تراجعت واشنطن عن دعمها العسكري والسياسي غير المشروط؟