نُشر في: 10 يونيو 2023
مقالات ذات صلة:
دأبت الحكومة المصرية، وعلى رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي، أن العاصمة الإدارية الجديدة لم تكلّف خزينة الدولة “قرشًا واحدًا”، بل يتم تمويلها بالكامل عبر بيع الأراضي والاستثمارات الخاصة. ومع ذلك، يكشف تقرير حديث صادر عن مؤسسة “الديمقراطية في الشرق الأوسط “(POMED) أن هذا الادعاء غير دقيق، إذ تظهر البيانات المالية الصادرة عن الحكومة المصرية أن الدولة المصرية تحملت أعباءً مالية ضخمة لتمويل المشروع، سواء كان ذلك عبر الدعم المباشر من الميزانية العامة أو من خلال الديون المضمونة من وزارة المالية أو من خلال استخدام ميزانيات الهيئات والمؤسسات الحكومية لتمويل المشروع مما أدى لارتفاع كبير في ميزانيات تلك المؤسسات القادمة من الموازنة العامة للدولة.
ما الذي تدعيه الحكومة المصرية؟
وفقًا للخطاب الرسمي، يتم تمويل العاصمة الإدارية الجديدة عبر أربعة مصادر رئيسية هي:
- بيع أراضي الدولة للمستثمرين والمطورين العقاريين
- استثمارات القطاع الخاص ويشمل المحلي والدولي
- قروض مضمونة من الحكومة لصالح الشركة المطورة للعاصمة
- إيرادات شركة العاصمة الإدارية (ACUD)، التي يُفترض أنها تعمل كشركة مستقلة
ولكن البيانات المالية الصادرة عن الحكومة المصرية تُثبت خلاف ذلك، حيث تُظهر أن الحكومة استخدمت موارد الدولة بشكل مباشر، وتدخلت في تمويل المشروع عبر ميزانيات الهيئات الحكومية ومزيج من القروض والضمانات المالية، ونقل ملكيات الأراضي العامة
كيف تم تمويل العاصمة الإدارية؟
يتم تمويل العاصمة الإدارية فعلياً من أربعة مصادر هي الميزانية العامة، أراضي الدولة، القروض المدعومة من البنك المركزي، والقروض المضمونة من الحكومة.
- الموازنة العامة للدولة:
بحسب البيانات فإن وزارة الإسكان، والتي تملك 49% من شركة العاصمة الإدارية (ACUD)، قد استخدمت ميزانيتها الحكومية لتمويل مراحل البناء الأولية، مما يعني أن الأموال العامة تم ضخها بشكل غير مباشر لصالح مشروع العاصمة الإدارية.
ميزانية هيئة المجتمعات العمرانية، وهي هيئة حكومية، ارتفعت من 30.46 مليار جنيه قبل العاصمة الإدارية إلى 207 مليار جنيه بعد بدء المشروع، مما يشير إلى ضخ أموال ضخمة في المشروع.
وزارة الاتصالات كانت مسؤولة عن البنية التحتية التكنولوجية للعاصمة، مما أدى إلى تضاعف ميزانيتها من أقل من مليار جنيه إلى 26.84 مليار جنيه بعد بدء المشروع.
تكلفة توصيل المياه إلى العاصمة الجديدة بلغت 10 مليارات جنيه، حيث تم بناء خطوط بطول 93 ميلاً، وصرفت الدولة مليار جنيه آخر لجلب المياه من القاهرة الجديدة والعاشر من رمضان.
الحكومة صنّفت مشروع إيصال المياه للعاصمة باعتباره “عملًا للمنفعة العامة”، مما يعني استخدام ميزانية الدولة بشكل مباشر.
- أراضي الدولة
وهي الأراضي التي تنقلها الدولة لصالح القوات المسلحة وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، أي إن الدولة تستخدم الأراضي الواقعة تحت سلطتها والتي هي ملك للشعب لتخصيصها للجيش ومن ثم تطويرها ضمن العاصمة الإدارية الجديدة. أي ببساطة تحويل ملكيات الأراضي العامة إلى الجيش المصري، الذي أصبح المستفيد الأول من عمليات بيع الأراضي.
- القروض المدعومة من البنك المركزي، والقروض المضمونة من الحكومة
بحسب التقرير، فإن العاصمة الإدارية تموَّلت جزئيًا عبر قروض خارجية ضخمة، حيث بلغ إجمالي الديون المرتبطة بالمشروع 52 مليار دولار. وزارة المالية ضمنت هذه القروض، مما يعني أنه في حالة فشل المشروع أو تعثر السداد، ستتحمل الخزانة العامة أعباء الدفع. على سبيل المثال، تم تمويل بعض المشروعات داخل العاصمة مثل مشروع القطار الكهربائي والمونوريل عبر قروض مضمونة حكوميًا.
من هو المستفيد الحقيقي؟
هذه الخريطة تسلط الضوء على تدفق الموارد العامة للدولة نحو مشاريع العاصمة الإدارية الجديدة، كاشفةً عن شبكة مالية وإدارية معقدة تُوجه أغلبها لصالح جهات عسكرية وحكومية. توضح الباحثة أن هذه الموارد تشمل الميزانية العامة، أراضي الدولة، القروض المدعومة من البنك المركزي، والقروض المضمونة من الحكومة، والتي تتدفق جميعها في النهاية إلى مشاريع العاصمة الإدارية، مع تركيز كبير على الجهات المرتبطة بالمؤسسة العسكرية.
ما يثير القلق في هذه الشبكة أن الدولة، بدلًا من توزيع مواردها على قطاعات تنموية متنوعة مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية في مختلف أنحاء البلاد، تقوم بضخ كل إمكانياتها في مشروع واحد ضخم تسيطر عليه المؤسسة العسكرية. هذه المركزية المفرطة في تخصيص الموارد قد تؤدي إلى استنزاف ميزانية الدولة، مع عدم ضمان تحقيق أرباح مستدامة تفيد المواطنين على المدى الطويل. بمعنى آخر، تتحول العاصمة الإدارية إلى مشروع يُثقل كاهل الاقتصاد لصالح مصالح محددة، بينما تظل الاحتياجات التنموية الأخرى في البلاد دون تلبية كافية.
الجيش المصري هو المستفيد الأكبر من المشروع، حيث يمتلك 51% من شركة العاصمة الإدارية (ACUD) عبر جهات تابعة له، مثل:
جهاز مشروعات الخدمة الوطنية
جهاز أراضي القوات المسلحة
الهيئة الهندسية للقوات المسلحة التي تدير عقود البناء والبنية التحتية
هذا يعني أن الأرباح المتولدة من بيع الأراضي والمشروعات داخل العاصمة تذهب بشكل رئيسي إلى الجيش، وليس إلى الخزانة العامة.
كيف تنعكس هذه السياسات على المواطن المصري؟
– بسبب التركيز على العاصمة الإدارية، انخفضت نسبة الإنفاق الحكومي على الدعم والمنح الاجتماعية من 25% قبل المشروع إلى 11.6% في عام 2023، وهي مستمرة في التدهور حتى الآن أضف إلى هذا أن تزايد الديون الخارجية أدى لحدوث شح في النقد الأجنبي مما أدى إلى ارتفاع التضخم وأسعار السلع الأساسية، ثم إلى انهيارات متكررة في العملة المصرية دفع نتيجتها المواطن المصري ثمناً باهظاً..
أيضاً ارتفاع أسعار الأراضي والمساكن داخل العاصمة يجعلها غير متاحة للمواطن العادي، مما يجعلها بطبيعتها مشروع نخبوية موجهة للطبقات الثرية والمستثمرين.
بناءً على الأدلة التي قدمتها دراسة POMED، يتضح أن العاصمة الإدارية ليست مشروعًا مستقلًا يمول نفسه ذاتيًا، بل هو مشروع مكلف جدًا تتحمل تبعاته الخزانة العامة وأي أرباح مستقبلية إن وجدت لن تصب أيضاً في الموازنة العامة.
في الحقيقة العاصمة الإدارية ليست ” مشروعاً تنموياً”، بل هي إعادة هيكلة اقتصادية تصب في مصلحة الجيش والمقربين من النظام، بينما يتحمل المواطن المصري تبعات الديون وارتفاع الأسعار. هذا المشروع، رغم ضخامته، لا يعكس تنمية حقيقية بقدر ما يعكس تحويل الموارد العامة إلى شبكة المصالح العسكرية.