نُشر في: 18 مايو 2021
مقالات ذات صلة:
الثورة الإسلامية الإيرانية .. رؤية من الداخل | مذكّرات آية الله حسين منتظري
كان منتظري أحد أبرز قادة الثورة الإسلامية ومقرّبًا من الإمام الخميني، بل ومُرشَّحًا لخلافته. يكشف الفيلم كيف تحوّل من الرجل الثاني في الثورة إلى ناقدٍ صريح لمسارها. كما يستعرض أسرار وكواليس الحكم في مرحلة ما بعد الثورة، كاشفًا الصراعات الخفية على السلطة والخلافات الأيديولوجية داخل القيادة الثورية، خاصةً فيما يتعلق بمفهوم ولاية الفقيه وكيف تم تطبيقه عمليًا.
كان منتظري رفيق درب الخميني وعالماً دينياً بارزًا ومُنظِّرًا لمفهوم ولاية الفقيه، وتم اعتباره الخليفة المنتظر للإمام الخميني. لكن سرعان ما بدأت الخلافات بالظهور تدريجيًا بين الرجلين رغم العلاقة الوثيقة التي جمعتهما في بدايات الثورة.
كان أول الخلافات كيفية إدارة الدولة بعد الثورة إذ تباينت وجهات النظر بين منتظري وبقية القيادات حيال مسار الثورة بعد انتصارها. لكنها بقيت محدودة إلى الثمانينيات حيث ظهرت خلافات حول استمرار الحرب العراقية الإيرانية، مال منتظري إلى إنهاء الحرب حقنًا للدماء وحفاظًا على مكتسبات الثورة، في حين فضّل آخرون استمرارها رغم الثمن الباهظ بشريًا واقتصاديًا.
فجرت فضيحة إيران–كونترا وهي صفقة السلاح السرية إبّان حرب العراق وإيران. والتي لم يكن منتظري على علم بوصول شحنات أسلحة أمريكية (عبر إسرائيل) إلى إيران خلال الحرب، بالرغم من كونه نائب القائد الأعلى آنذاك. وعندما تكشّفت تفاصيل هذه الصفقة، أعرب منتظري عن سخطه الشديد تجاه مهندسيها وعلى رأسهم هاشمي رفسنجاني الذي سعى لتأمين السلاح بأي ثمن لإطالة أمد الحرب.
كما أن لمنتظري موقف حاسم وجريء من الإعدامات الجماعية التي نُفّذت بحق المعارضين السياسيين وسجناء الرأي في إيران بعد الثورة، وخاصةً في عام 1988. إذ وجّه انتقادات حادة لاستمرار حملة الإعدامات معتبراً أنها تتنافى مع مبادئ الثورة والإسلام. ويُظهر الوثائقي كيف دفع منتظري ثمن هذا الموقف الإنساني؛ إذ تسبّبت معارضته العلنية لسياسات القمع في توتير علاقته بالخميني بشكل غير مسبوق.
عزل منتظري ووضع تحت الإقامة الجبرية عام 1989 وأطلقت حملة التشويه ضده في الإعلام والمساجد، وتم إزالة صوره من المؤسسات الرسمية، يُوضح الفيلم أن الخميني اتخذ هذا القرار الصعب تحت ضغط تقارير ومعلومات مغلوطة وصلته عبر مقربين متشددين، صوّروا منتظري كأنه خان نهج الثورة.
يبيّن الوثائقي أنه رغم العزل والاضطهاد، لم يتراجع منتظري عن مواقفه. خلال حقبة التسعينيات ومع انتخاب الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، عاد صوت منتظري ليرتفع منتقدًا تفرد السلطة تحت مظلة ولاية الفقيه. أدى ذلك إلى وضعه مجددًا تحت الإقامة الجبرية لنحو خمس سنوات. وبعد رفع الإقامة، استمر منتظري في دوره كمرجع للمعارضة الإصلاحية داخل إيران؛ فأصبحت دروسه الدينية في قم منبرًا لانتقاد استبداد السلطة والدعوة إلى تصحيح مسار الثورة. يستعرض الفيلم مشاهد من سنواته الأخيرة، حيث بقي منتظري وفيًّا لمبادئه داعيًا إلى إصلاح نظرية ولاية الفقيه نفسها لضمان عدم استبداد الحاكم. واستمر كذلك حتى وفاته عام 2009 (بعد إعادة انتخاب أحمدي نجاد بأيام قليلة) وهو متمسك بدوره، مما أكسبه احترامًا شعبيًا واسعًا حتى بين معارضيه..
يعتمد الفيلم بشكل كبير على كلمات منتظري من خلال مذكّراته المكتوبة وأيضًا تسجيلات صوتية وأرشيفية له كما يستضيف الفيلم الدكتورة فاطمة الصمادي، المتخصصة في الشأن الإيراني والتي قامت بترجمة مذكرات منتظري إلى العربية. تقدم الصمادي تحليلات مبسطة وشرحًا لخلفية الأحداث، وتوضّح أهمية تلك المذكرات كمرجع تاريخي يكشف خفايا فترة مفصلية من تاريخ إيران الحديث..